في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتم صياغة التاريخ على نيران الحروب والتحالفات، جاءت الضربة الإسرائيلية لإيران كمنعطف مفصلي.
الضربة، كما هو واضح، لم تكن مجرد رد فعل، بل لحظة مختارة، زمنيا ومكانيا، بعناية: يوم واحد فقط بعد انقضاء "مهلة ترامب".
فقبل نحو شهرين، أعطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيران مهلة من 60 يوماً لإبداء جدية في المفاوضات حول ملفها النووي وسلوكها الخارجي.
لكن طهران، في عادةٍ دأبت عليها لعقود، اختارت لغة المماطلة، ظنًا منها أن إدارة ترامب تسير على خُطى الإدارات السابقة، لكن هذا الأخير ما زال يؤكد أن الأمور في ولايته ستكون مختلفة، فقد كان اليوم الـ61 مصحوبا بسيناريو آخر، جاهز على الطاولة، بدأ بـضربة دقيقة وموجعة على العمق الإيراني، استهدفت منشآت ومقرات عسكرية، وقيادات عليا، خلّفت خسائر ثقيلة وارتباكاً استراتيجياً في طهران.
ومن الواضح أن طهران أخطأت قراءة الرسائل. لم تدرك أن النافذة الدولية تضيق أمامها، وأن القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وإسرائيل، لم تعد مستعدة لتحمّل وجود "دولة مزعزعة للاستقرار، ترعى ميليشيات وتغذّي حروبًا بالوكالة من اليمن إلى لبنان، مرورًا بالعراق وسوريا".
في الغالب، ظنّ صناع القرار في طهران أن دعوات ترامب المتكررة لعقد "صفقة كبرى" تعني رغبة يائسة في السلام، واعتقدوا أنه لن يجرؤ على خوض حرب في ولايته الانتخابية.
لكنهم أساؤوا التقدير ولا شك، فالرجل، على ما يبدو، لا يمانع في الحرب إذا كانت سريعة ومربحة سياسياً، خصوصاً إذا لم تتضمن إرسال جنود أمريكيين إلى الميدان.
الرسالة أصبحت واضحة الآن، ولو أن المآل لا زال غامضا: الشرق الأوسط الجديد يجب أن يكون خالياً من الحروب بالوكالة، ومن سطوة الميليشيات العابرة للحدود، ومن شبح الصواريخ الإيرانية التي تُطلق من أربع دول وتُدار من غرفة واحدة في طهران.
تسعى إسرائيل، مدعومة بغطاء أمريكي غير مشروط، إلى إعادة تشكيل ميزان القوى، بحيث لا تترك لطهران فرصة للمراوغة من جديد.
هل هذا هو الشرق الأوسط الجديد؟ ربما نعم، وربما لا. لكن ما بات مؤكدًا هو أن مرحلة "التفاهمات الطويلة العقيمة" قد انتهت، وأن اللاعبين الكبار قرروا الانتقال من الأوراق إلى الأفعال.